الجمعة، 11 مايو 2012

شحاذ منشد



جالساً القُرفُصاء على الأرض التي خلقها الله
و استولى عليها مخلوقاته الآدمية , عدا تلك البُقعة التي كانوا يسمحون له فيها
من وقتٍ إلى الآخر بالشحاذة فيها!
كان يقضي اوقات جلوسِه متمتماً بعبارات لا يفهمها اي احد
كانوا يظنون انها ذِكر لله او ما شابه كما يفعل امثاله
و لكنه كان يقص العِبرات التي مرت عليه في حياته و كيف ان الله امهله حتى وصل لهذه الحالة , كان يقصها بطريقة المُنشِد , مُـــفَخِّماً صوتَه الأجش , مُغمِضاً عينيه كأنه في عالمٍ آخر , يهز برأسه , يبكي , كان يفعل كل الأشياء و حينما ينتهي من هذه الدورة , يجد بعض الاوراق و العُملات الفضية مُلقية بجانبه تقضي قوت يومِه , و إتاوة البيه او الفتوة , ايهما أقرب.
بدأ ايامه الأولى في الاستغفار و النحيب و الندم على ظلمه لأعز إنسان رآه في حياتِه , كان صوته يُبَحَّ من كُثر البُكاء , لدرجة انه كان يصيبه الإعياء فتصيبه اغماءة قصيرة يظنه المارة بأنه قد مات , هدأ قليلاً و اصبح يطلب المغفرة و الرحمة له و لهذا الشخص , حتى اصبح يؤلف أُنشودات رائعة يذهل لها كل من يعبر و يظنه مُنشد القى به الزمن في هذه الحالة...
مَــــرَّ اكثر من سِتة شهور و هو على تلك الحالة...حتى تِلك اللحظة التي كان منهمك فيها في الإنشاد ثم قرر إذ فجأة ان يُفتِح عينيه لسببٍ لم يدر به حتى الآن , رأي قدماً امامه , كل ما يراه من هذا الشخص هي قدمه ! , ستتعجبون ان اخبرتكم انه شعر انه منجذب الى هذه القدم بشدة , استعجب و استنكر على نفسه الإعجاب بقدم شخص !! , نظر عالياً , فوجدها محبوبته التي ينشد قصتها كل يوم! , رآها مارة مثل اي مارٍ امامه , لم تنظر اليه و لم تشعر بوجوده اصلاً , او شعرت و كانت تركض بشدة خوفاً من المواجهة , لا يعلم , و لكن ما يعلمه جيداً أنه اراد تقبيل هذه القدم لكي تسامحه على ما بدر منه تجاهها! أعاد حساباته في اقل من دقيقة , و بنفس طريقة تأليفه للأناشيد , فكر بصوتٍ عالٍ على الحكمة من هذا الموقف و كيف ان الله يداول الايام بين الناس لدرجة ان العزيز يصبح ذليل نتيجة تصرفاته و ظلمه لنفسه و للآخرين , في هذه اللحظة فقط ادرك كلمة الإستغفار , فأراد ان يطبقها دون ان ينشد انشودة واحدة اخرى , قام و انتصب ظهره , و نظر للناس و على وجهه ابتسامة – ظنه الناس كالعادة مجنون و يصاب بحالات و لكنها كانت اول ابتسامة يرسمها على وجهه- ثم ذهب الى منزله القديم بادئاً حياته من جديد , طاوياً صفحة من الزمن , عازماً على طلب الغُفران بالأفعال من الله...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق