السبت، 19 مايو 2012

الواعظ


قديماً , كان شيخُ المسجِد له هيبة و يحترمه الناس , بزيِّهِ الأزهري المُكون من الجِبَّة و القُفطان , كان يمشي  موضع تقدير من الكل , الحِرَفي , الموظف , الكمسري , المُهندِس و حتى الظابط , لم يصله الفساد في هذا الوقت الذي مكنه من التنكيل بالشيوخ او من تدل هيئته بمعرفته المحدودة انه شيخ.....كانت له وظائف متعددة , بمعنى اصح كان يعمل عمل الطبيب النفسي و الواعِظ ..... ليس على طريقة الاعتراف يذهب اليه الناس و يقول لهم لقد غفر لكم الرب....بل كانوا يذهبون طالبين معرفة طريقة الإستغفار نفسها....فبخبرته الحياتية التي هي من الأصل توفيق من الله تعالى كان يستطيع ارشادهم , او تحسين ظروفهم على الأقل اذا طبقوا النصيحة , يقابل كل يوم اهل الحي كلهم تقريباً , و يأتي اليه احياناً أُناس من القُرى طالبين لفتوى او مُقدمين شكوى , بعد ان ينتهي هذا اليوم , يجلس في غرفته المخصصة في المسجد المُنشأ في عصر المماليك ( في حي مصر القديمة حالياً ) , الغُرفة لا يُضيئها إلا ضوءُ القمرِ في الليالي القمرية عن طريق الشباك المُزين بالخشب المُزخرف المُسمى بالأرابيسك , اما في الليالي المعتِمة فلا تكاد ترى يديك ان وضعتهم امامك , و تأتي نسمة هواء بحرية تلامِس جبينه و يكأن الكون يتنهد من صخب الناس بعد يومٍ طويل , فيبدأ في السكون , مُخرِجاً ورقة من جيبِه مكتوباً عليها , سيئات اليوم , ينظُر الشيخُ و يعدها , ثم ينغمر في بُكاء شديد , و استغفار , ثم يلوم نفسه قائِلا قوله عز و جل ,"اتأمرون الناسَ بالبِرِّ و تنسونَ أنفسكم و انتم تتلون الكِتاب" ,  و قولِه "كَبُرَ عِندَ اللهِ مقتاً أن تقولوا مالا تفعلون , و يقول يا ويحك لِــمَ يلجأ الناس اليك و انت اكثرهم معصية!! , لِــمَ يلجأ الناس اليك طالبين النصيحة و ان تستغفر لهم و انت من المُبعدين إن لم يرحمك الله!!, ثم يقوم فيقرأ القُرآن و يصلي حتى يغلبه النُعاس فينام حتى يصلي الفجر, ثم يضع الورقة على الطاولة الموضوعة بجانِبه و يستلقي على السرير على جانِبه الأيمن و ينام ذاكراً لله, تظهر الورقة تحت ضوء القمر الخافت , و مكتوبٌ عليها , (لم ترد غيبة أخيك , لم تنصح اخيك , قسوتُ على فُلان بالقول , لم تَمُط الأذى عن الطريق , لم تصلِّ على نبينا و حبيبنا محمد صلى الله عليهِ و  , سلم , لم تحمد الله على نعمه , لم تستغفر الله على معاصيك , )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق